الجاموس مصدر رزق لآلاف العوائل
حوراء مطر
مع تراجع الأمطار الواردات المائية وتعاظم نسبة الجفاف في مناطق جنوب العراق، وتحديداً الأهوار، بات العراق البلد "الخامس في العالم" الأكثر تأثراً بالتغير المناخي، كما أعلنت وزارة البيئة العراقية في الآونة الأخيرة.
وفي وقتٍ سابق، حذرت منظمات غير حكومية من أن سبعة ملايين شخص مهددون بالحرمان من المياه بسبب عدم قدرتهم على الوصول إلى الأنهر أو بسبب الجفاف، فيما أصبح جفاف الأنهر والأهوار واضحاً بالعين المجردة، ويتسارع بشكل مطرد في بلد شهد منذ 40 عاماً حروباً وأزمات متتالية أضرت بشدة بالبنى التحتية. فبات العراق يفتقر إلى مقومات التأقلم مع مناخ لا ينفك يزداد قساوة. وبحسب الأمم المتحدة، فإن 3.5 في المئة من الأراضي الزراعية في العراق فقط مزودة بأنظمة ري.
وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة للأهوار في مدن جنوبي العراق، والتي تم إدراجها ضمن لائحة التراث العالمي بتاريخ 17 تموز 2016، إلا أن شح المياه أدى إلى تقلص المساحات المغمورة بالمياه فيها، وتراجع ملحوظ في ثرواتها الطبيعية، وتحديداً الجاموس، الذي يعد من الحيوانات القديمة التي ترتبط بتاريخ العراق، وعرفه السومريون والآشوريون والبابليون من قبل، إذ يمثل الشكل الأزلي لمناطق جنوب البلاد، والذي يُعتبر ركيزة معيشية لمعظم ساكني الأهوار.
ويشكل الجاموس وتجميع حليبه وبيعه في السوق، مصدر رزق لآلاف العوائل التي تسكن مناطق الأهوار، إلا أن هذا المصدر أخذ بالتراجع جرّاء الأزمة المائية، وتقلصت أعداده بشكلٍ كبير خلال الأعوام الماضية، نتيجة تدهور الظروف المعيشية المناسبة للحيوان وصعود أسعار الأعلاف وانتشار الأمراض.
وتسببت عدد من العوامل بتأثر مكانة الاهوار كبيئة تتوفر فيها الظروف المعيشية المناسبة لحيوان الجاموس منها التغيرات المناخية المتمثلة بزيادة نسب الجفاف نتيجة قلة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة وزيادة المركزات الملحية في مياهها، كما يظهر تأثير التغيرات المناخية بصورة مباشرة على حيوان الجاموس متمثلاً بقلة المياه التي تؤدي إلى ارتفاع الملوحة داخل المستنقعات المائية ودرجات الحرارة المرتفعة التي تتسبب بضرر كبير للجاموس.
وبحسب المؤرخ العراقي عبد الجبار الفيصل، فإن العراق يعدّ من الأماكن التي يربّى فيها الجاموس نظرا للبيئة الملائمة لمعيشته لا سيما منطقة الأهوار التي تغطيها المياه، وتذهب تقديرات إلى أن أصله من الهند، إلا أن الآثار تشير إلى وجود الجاموس في بلاد وادي الرافدين قبل وجوده في الهند من خلال الرسوم التي تعود إلى 4600 عام.
وأشار الفيصل، في تصريح صحفي، إلى أن "بعثات الآثار البريطانية قبل 100 عام وجدت في منطقة النمرود (شمالي العراق) رأسا لحيوان جاموس من العاج يعود إلى عهد آشور بانيبال سنة 265 قبل الميلاد"، مبينا أن "مصادر تاريخية أخرى أشارت إلى دخول الجاموس العراق في العهد العباسي حين جاء مربّو الجواميس من دول آسيا وسكنوا الأهوار، مضيفا أنه وفقا لذلك فإن الجاموس نقل بعد ذلك من العراق إلى مصر".
من جهته، لفت مختار محمد، وهو المدير التنفيذي لمنظمة "المناخ الأخضر"، إن "الغاية هي أن يصل القارب يومياً إلى هذه المسافات البعيدة... إذا مرضت هذه الحيوانات لا يستطيع مربوها نقلها إلى مركز المدينة، ولا يستطيعون تشخيص مرضها بشكل صحيح"، موضحا أن "الإسعاف البيطري هو المبادرة الأولى والوحيدة المماثلة في أهوار العراق... تقوم بتقليل مسافات بين مربي الجاموس الموجودين في وسط أهوار العراق والمجتمع المدني والأطباء الموجودين في مركز مدينة الجبايش".
من جانبه، أوضح حميد العراقي، وهو عضو في جمعية "حماة دجلة"، أن "أعدادا كبيرة من الجواميس كانت موجودة في العراق، وهي ذات نوعية جيدة وسلالة أصيلة"، مستدركا بأن "أعداد الجواميس بدأت تتناقص حاليا بشكل كبير، وتقترب من حافة الانهيار بسبب سوء الاهتمام بهذا الصنف من الثروة الحيوانية، وأن زيادة الملوحة والتلوث في المياه أدت إلى نفوق أعداد كبيرة من الجواميس، ما تسبب بخسارة فادحة في هذه الثروة المهمة التي تحتاج سنوات طويلة لتنميتها".
وأكد على أهمية "التوجه نحو معالجة شح المياه بتطهير المسالك المائية المؤدية إلى الأهوار لتأمين المياه بكميات كافية والحفاظ على الثروات الوطنية، واطلاق حملة لوقف أنتشار الأمراض التي تصيب حيوان الجاموس يتم بموجبها تطعيمه ضد تلك الأمراض، والبدء بالتلقيح الاصطناعي لحيوان الجاموس لزيادة أعداده، وفتح المجال لاستثمار الأهوار بمشاريع ثروة حيوانية خاصة كبرى لا تقتصر على مربّي الجواميس، فضلا عن زراعة نبات يتغذى عليه الجاموس غير القصب لأن الأخير يستهلك كميات كبيرة من المياه".
ويشكل الجاموس وتجميع حليبه وبيعه في السوق، مصدر رزق لآلاف العوائل التي تسكن مناطق الأهوار المائية التي تمتد على أطراف 3 محافظات عراقية وهي ذي قار وميسان والبصرة، إلا أن هذا المصدر أخذ بالتراجع جرّاء الأزمة المائية، وتقلصت أعداد الجاموس بشكلٍ كبير خلال الأعوام الماضية، حيث تفيد التقديرات بأن نحو ربع مليون حيوان جاموس كان في مناطق جنوب العراق، لكنه تراجع إلى أقل من 100 ألف في غضون الأشهر القليلة الماضية، لا سيما مع صعود أسعار الأعلاف وانتشار الأمراض.
نشرت هذه المادة الصحفية بدعم من صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية UNDEF ومؤسسة صحفيون من أجل حقوق الإنسان jhr